بالنظر إلى ما قام به الأردني همام أبوملال يوم 30 ديسمبر من العام الماضي وأودى بحياة سبعة من ضباط وكالة الاستخبارات الأميركية وضابط أردني، والنيجيري عمر فاروق عبدالمطلب ليلة 25 ديسمبر من ذات الشهر في محاولة فاشلة لتفجير طائرة متجهة من أمستردام الى ديترويت الأميركية، وعلى متنها نحو 300 راكب، والسعودي عبدالله عسيري ليلة 27 أغسطس الماضي في محاولته الفاشلة لاغتيال مساعد وزير الداخلية السعودي، فإن الرابط بين هؤلاء الأشخاص واحد، وهو"القاعدة " ومبتكروها الجدد، الذين استطاعوا استثمار متفجرات من نوعية "Betn". استخدمت هذه النوعية من فصيلة مادة C4 المعروفة أول مرة في السبعينيات من القرن الماضي خلال مرحلة المد الشيوعي، وتكرر استخدامها عام 1988 حين انفجرت طائرة تابعة لشركة "بان أميركان " التي راح ضحيتها 270 راكبا، والمعروفة بحادثة لوكربي. تتشكل هذه المادة Betn من صفائح بسُمك ورقةA4، ويزداد حجم الانفجار ومدى تأثيره كل ما زادت طبقات الصفائح التي لا تتجاوز في حجمها 60 سم مربعاً في الغالب، ووزنها لا يتجاوز 60 جراما أيضاً، وتحتاج هذه المادة في تفجيرها إلى تفاعل كيميائي مع مادة يطلق عليها المختصون اسم "المحرض"، وهي مادة أسيدية، حيث تتفاعل معها كيميائياً حين يمتزجا وينتج عن هذا التمازج انفجار بسرعة انفجار القنبلة التقليدية، وقوة مداها التدميرية كفيلة بتحطيم طائرة ركاب بحجم البوينج777، ولا تستطيع الأجهزة التقنية لأجهزة الأمن اكتشافها في المطارات. للأهمية بمكان النظر إلى أبعد من هذه الأخبار التي تواترت علينا في العام الماضي، وسبر أغوار ما ورائها، في محاولة لإيجاد تفسير لما يقوم به تنظيم "القاعدة" الذي يصر على أن لا ينقضي العام، إلا وقد أعلن عن ابتكاره الجديد، بأشلاء ودماء المسلمين وفي دولهم!، لكن هل نقرأ إصرار هذا التنظيم على أنه رسالة يقوم هو بدور ساعي البريد لإيصالها؟. إن استطعنا تسليط عدسة الكاميرا على نشاط "القاعدة " حول العالم النابع من نشاطها في منطقتنا، وحددنا تصوير المشهد من لقطة بعيدة لتسمح لنا بالرؤيا من كافة الزوايا للمشهد كما يسميها الإخراج السينمائي "Long Shot"، فماذا سنرى؟ يقول مخرج سينمائي محترف في هوليوود من خلال ما يراه بعدسته، إننا نستطيع من هذه الزاوية التصويرية رؤية المراحل والتحولات التي مر بها تنظيم "القاعدة" منذ نهاية "الجهاد الأفغاني" في ثمانينيات القرن الماضي قبل تسمية التنظيم بهذا الاسم، ومقتل الأب الروحي لقادة التنظيم، بتدبير منهم أنفسهم، أي أنهم قتلوا مرحلة وتهيأوا لدخول مرحلة أخرى جديدة بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وبكل ما فيها من تغيير في الأجندات، ومن يقف وراءها!. يسعى المخرج الى ربط تلك الحقبة من الزمن بالوقت الحالي الذي يمر به التنظيم، وما يجاري تلك السنوات من استقطابات، والتقاء مصالح لدول تُعتبر من وجهة النظر الإيديولوجية للتنظيم، عدوة للدين كما يظهر في الأدبيات المتبعة من قبل قيادته، ومنظريه. ويرصد المخرج عبر عدسته تحول العقول "المفكرة"، وهجرتها من أفغانستان إلى "لندنستان" مطلع التسعينيات من القرن الماضي، وترويجهم للفكر الذي أعلن تنظيم "القاعدة " منهجه القائم عليه عام 1998، وتزامن هذا الإعلان مع تفجير متزامن لسفارتي الولايات المتحدة الأميركية في كلا من كينيا وتنزانيا. كما يقول المخرج: إن العدسة تستطيع التقاط مشهد تفجير الغواصة الروسية كورسك في شهر أغسطس عام 2000، وما أعقبها بشهرين وعدة أيام فقط!، من تفجير للبارجة الأميركية "كول"، وإعلان تنظيم "القاعدة" مسؤوليته عن تفجير الأخيرة بعد ورود أنباء عن تواجد لإحدى السفن العسكرية الأميركية في محيط انفجار "كورسك"، وما يوحي به هذان التفجيران لنموذجين لآخر ما توصلت إليه تكنولوجيا الصناعات العسكرية في البلدين حينها!، ولا ينظر المخرج لهذا التقارب في التوقيت بين التفجيرين على أنه صدفة، فاليقين يؤكد أن لا مجال للصدف في العمل السياسي، وواقع الدول الساعية لتحقيق مصالحها العليا أمر يحتم عليها استخدام مثل هذه التكتيكات الضاغطة على دول أخرى تنافسها. يلتقط المخرج أيضاً بعدسته أحداث 11 سبتمبر عام 2001، وما رافقها من اضطراب نتيجة احتلال دولتين هما أفغانستان ثم العراق، وما حدث بعد هذا الاحتلال من صراعات و"فوضى خلاقة"، تأثرت بها الخريطة الجيوسياسية للمنطقة، ودفعت ببعض الدول التي تشارك في هذين الاحتلالين إلى إعادة استثمارها القديم للتنظيم عبر تحريك مفكريه فيها، وهم بالمناسبة ما زالوا ينعمون بالعيش فيها، وما رافق إعادة الاستثمار تلك من توجه بعض الفاعلين في التنظيم إلى الغرب من أفغانستان نتيجة الاحتلال، وتمدد عمل التنظيم عبر هؤلاء الفاعلين الى دول خليجية انطلاقاً من بيوتهم "الآمنة" في مجمعات سكنية على أراض غرب أفغانستان!، الأمر الذي حدا بالمخرج أن يوثق هذه الفترة تحت مسمى "عودة حلم الرسو على المياه الدافئة... والتنفيذ بالوكالة"!. إلا أن المخرج اضطر إلى تقريب اللقطة "Close up "، لكي يتمكن من التقاط ما يحدث في محيطه القريب جداً، ورأى الصراع ذاته في العراق، الذي تفاقمت الأوضاع فيه على نحو مفاجئ للمراقبين، بعد قرب موعد انتخاباته النيابية التي تعتبر مفصلية للحياة السياسية فيه، وسبقها إعلان أسماء الشركات المستثمرة للنفط فيه، وتقاسمها للكعكة العراقية، وخرج من هذه القسمة الضيزى، من وجهة نظر الطامعين، شركات تابعة لدول لها أطماع وأحلام في استعادة طموحات عفا عليها الزمن وأفل نجمها!. يتعجب المخرج من دقة وانضباط السيناريو وانخراط الفريق فيه دون خروج عن النص!، ويستنتج المخرج ما مفاده أن الإرهاب لن ينتهي حول العالم وهناك دول تستفيد منه، وتستثمره لمصالحها، وتشكل حاضنة "قانونية" وربما مكافئة لمنظريه وجهابذة فكره، وتسعى تلك الدول جاهدة لبقاء مبررات وجود هذا الفكر المصطنع، ضمانة منها لوجوده. لكن يبقى الأمل دائماً حسب رؤية المخرج بقرب ادراكنا أننا لسنا سوى بيادق على رقعة شطرنج كبرى. malmilfy@gmail.com